نسبية الحق

نسبية الحق أو نظرية التعسف في استعمال الحق, بحيث  لا يجوز للشخص أن يتعسف في استعمال حقه، وأساس هذا المبدأ الفقه الإسلامي. إذ يرى هذا الفقه أن الحق في ذاته منحة من الخالق فينبغي أن يقيد بالغاية التي منح من أجلها ، ويكون استعمال الحق غير مشروع كلما وقع خارج حدود هذه الغاية .

أما فقهاء القانون فيرون هذا المبدأ حلقة وصل بين المذهب الفردي ( الذي يوسع من دائرة الحق )،
وبين المذهب الاجتماعي
( الذي يضيق من دائرة الحق ). ويعد صاحب الحق متعسفا في استعمال حقه كلما توافر في استعمال حقه معيارا من المعايير التالية:

أ – قصد الإضرار بالغير:

بموجب هذا المعيار يعد صاحب الحق متعسفا في استعمال حقه كلما اتجهت نيته إلى قصد إلحاق الضرر بالغير من وراء استعمال الحق، ولو كان صاحب الحق يجني مصلحة من وراء هذا الاستعمال.

ولا يشترط وقوع الضرر فعلا للقول بقيام حالة التعس . فالشخص الذي يقيم جدارا عاليا في أرضه لا يعود عليه بأية فائدة ، ولكن لمجرد حجب النور والهواء عن جاره، يكون مسؤولا عن الأضرار التي تصيب جاره بسبب تعسفه في استعمال حقه، ولو كان هذا الجار غير مقيم فعلا بالمنزل. ويستدل على وجود قصد الإضرار بالقرائن أو الظروف التي تصاحب التصرف . وهذه الحالة هي أبرز حالات التعسف في استعمال الحق، وفيها يستعمل
الشخص حقه لا لتحقيق مصلحته، ولكن ليلحق الضرر بالغير ويسيء إليه. ويعدّ التعسف حاص ً لا إذا كان قصد الإضرار هو العامل الرئيسي أو الأصلي الذي دفع صاحب الحق إلى استعمال حقه، وكان عامل المنفعة ثانويًا
بالنسبة إليه

ب – التفاوت الكبير بين المصلحة والضرر:

بموجب هذا المعيار يعد الشخص متعسفا في استعمال الحق إذا كان يلحق من وراء استعمال هذا الحق ضررا جسيما بالغير في مقابل منفعة تافهة يحققها لنفسه. فإذا كان استعمال الحق يؤدي إلى تحقيق مصلحة قليلة الأهمية لصاحبه ويسبب في ذات الوقت ضررا للغير لا يتناسب البتة مع هذه المصلحة الناجمة عنه. فإن هذا الحق يكون مشوبا بالتعسف، ويستوجب مسؤولية صاحب الحق، ولو لم يثبت لديه قصد الإضرار أو الإيذاء ويستخلص التعسف من مجرد التفاوت الكبير بين المصلحة والضرر ومن دون النظر إلى النية والقصد

ج – عدم مشروعية المصلحة:

يعد الشخص متعسفا في استعمال حقه إذ كان يقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة. كمن يستأجر شقة بغرض إدارتها للأعمال المنافية للآداب العامة . ويستنتج أن المصلحة تعد غير مشروعة " إذا كانت تخالف حكما من أحكام القانون أو تتعارض مع النظام العام والآداب ".

و بخصوص نطاق التعسف وجزاءه فهو يشمل جميع أنواع الحقوق, فهو مبدأ عام يستوجب من كل شخص أن يستعمل حقه استعمالا مشروعا. وإذا ألحق التعسف ضررا بالغير ، فيكون الجزاء التعويض ، ويشمل التعويض ما يحكم به القاضي من تعويض نقدي للمضرور، أو تعويض عيني لجبر الضرر يتمثل في الأمر بإعادة الحال إلى ما كان عليه ، كهدم السور المرتفع ، أو الأمر بأداء معين متصل بالعمل غير المشروع ، كالأمر بتغيير وضع مدخنة لتوجيه الدخان بعيدا عن الجار.

ومما لا شك فيه أن استعمال الحق،إذا كان يحقق مصلحة صاحبه، فهو قد يتعارض في أغلب الأحيان مع مصالح الأشخاص الآخرين ويؤدي إلى إلحاق الضرر بهم. وليس من المعقول أن يسأل صاحب الحق عن هذا الضرر الذي يلحق بغيره جراء استعماله لحقه. فصاحب الأرض الذي يستعمل حقه في البناء عليها قد يؤدي إلى الإضرار بأصحاب الأبنية المجاورة بهذا البناء الذي يحدثه على أرضه.

وعلى هذا يقال في عالم القانون إن:" الجواز الشرعي ينافي الضمان". ومعنى ذلك أن الذي يقوم بما هو جائز له من الوجهة الشرعية أو القانونية لا يكون ضامنا للأضرار التي تنجم للآخرين عن هذا العمل الذي يقوم به، إذ لا
يعقل أن يمنح الشخص السلطة أو الحق، وأن يباح له استعماله، ثم يحاسب في نفس الوقت على هذا الاستعمال. وبالإضافة إلى الحدود والقيود التي يرسمها القانون بالنسبة إلى كل حق من الحقوق، فإن هنالك قيدا عاما تخضع له هذه الحقوق جميعها، ويتوجب على أصحابها مراعاته واحترامه.

فلا يكفي إذن أن يستعمل الشخص حقه ضمن حدوده المرسومة لتنتفي عنه المسؤولية ، وإنما يجب أن يكون هذا الاستعمال نفسه مشروعا، أما لو تعسف الشخص في استعمال حقه، ولو كان ذلك من دون تجاوز منه أو خروج عن حدود هذا الحق، فإن تعسفه هذا يكون سببا لمسؤوليته عن الأضرار التي تنجم عنه للغير، لأن مجرد التعسف يعد نوع من الخطأ، وخروجا عن القيد العام الذي تخضع له الحقوق جميعًا وهو قيد الاستعمال المشروع.- نسبية الحق

تعليقات