الاهلية

تعد الأهلية من أهم خصائص الشخصية إذ يتوقف عليها تحديد فعاليةالشخص من حيث قدرته على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات من جهة ،وعلى ممارسة الأعمال والتصرفات المتعلقة بهذه الحقوق والالتزامات على
وجه يعتد به من الوجهة القانونية من جهة ثانية.وأحكام الأهلية قد نظمها بصورة رئيسية قانون الأحوال الشخصية،
وهي مستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية.

والأصل في الشخص كمال أهليته إذ إن كل شخص أهل للتعاقد ما لمتسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون. وكمال الأهلية لدى الشخص هو الحالة الطبيعية, وأن عدم الأهلية أو نقصانها عبارة عن حالات استثنائية. وهذا يعني أن التصرفات التي يجريها الشخص يفترض قد صدرت عنه وهو كامل الأهلية، وإذا ادعى أحد خلاف ذلك سواء أكان المدعي هو الشخص نفسه الذي أجرى التصرف أم غيره، فإنه يقع عليه عبء إثبات ما يدعيه.

تعتبر أن الأهلية تعد من النظام العام، بحيث لا يجوز لأحد التنازل عنها أو التعديل في أحكامها، فلا يستطيع كامل الأهلية مثلا أن يتفق مع آخر على التنازل عن أهليته واعتبار تصرفاته التي يجريها باطلة أو قابلة للإبطال، لأن الشخص لا يملك الحق في أن يتصرف في أهليته كما يشاء.

أولا- أنواع الأهلية:

الأهلية في اللغة هي الصلاحية، وفي الاصطلاح يقسمها فقهاء الشريعة إلى أهلية وجوب وأهلية أداء.

1- أهلية الوجوب، هي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له ووجوب الالتزامات عليه. كما تعرف أيضا، بأنها صلاحية الشخص لثبوت الحق له أو عليه، أو أهلية الوجوب للإنسان لمجرد كونه إنسانا من دون أن يتوقف اعتبارها على أي أمر آخر، فهي تبدأ ناقصة محدودة بالنسبة إلى الجنين، ثم تتم لدى الشخص بعنصريها منذ ولادته، وتلازمه طول حياته.

وتعد أهلية الوجوب لدى الجنين ناقصة لأن الجنين لا يمكنه تحمل أي التزام تجاه غيره، ولكنه يحتفظ ببعض الحقوق التي منحها.

2- أهلية الأداء: هي صلاحية الشخص لممارسة الأعمال والتصرفات القانونية بنفسه على وجه يعتد به قانونا.
وهذه الأهلية لا تثبت كاملة بالنسبة لجميع الأشخاص، بل تكون بالنسبة إلى بعضهم معدومة أو ناقصة. والسبب في هذا أن صلاحية الشخص لإجراء الأعمال والتصرفات ذات النتائج القانونية ومباشرتها بنفسه لا تتعلق بصفته
الإنسانية وحدها، بل يتوجب لثبوتها أن يكون هذا الشخص على قدر كاف من العقل والإدراك يسمح له بمعرفة نتائج أعماله والتبصر فيها، وبهذا تختلف أهلية الوجوب عن أهلية الأداء، فالأولى لا يشترط لتمامها وجود العقل أو
الإدراك لدى الإنسان، بل هي تتم لديه بمجرد ولادته، ولا يؤثر فيها أي عارض من العوارض، وأما أهلية الأداء فيتوقف اكتمالها على اكتمال العقل ، وهي تختلف قوة وضعفا تبعا له وعلى ذلك قد لا يتمتع الإنسان في بعض
الحالات بأهلية الأداء، بينما تكون له أهلية وجوب كاملة

ثانيا- عوارض الأهلية:

تطرأ على الإنسان بعد اكتمال أهليته بعض العوارض التي تؤثر فيها فتحد منها أو تزيلها، وينحصر أثر هذه العوارض في أهلية الأداء من دون أهلية الوجوب، ونعرض فيما يلي لهذه العوارض.

1- الجنون: هو اختلال العقل يؤدي إلى فقد الشخص الإدراك والتمييز كليا والجنون قد يكون مطبقا أي دائما ، وقد يكون متقطعا أي تتخلله فترات إفاقة، وتكون تصرفات المجنون باطلة.

2- العته : هو اختلال في العقل يجعل فهم الشخص قليلا وكلامه مختلطا . ويختلف العته عن الجنون من حيث أن العته لا يرافقه اضطراب الجنون، فهو أشبه ما يكون بنوع من الجنون الهادئ. وحكم تصرفات المجنون والمعتوه هو
حكم تصرفات الصغير غير المميز، وتنعدم لدى المجنون والمعتوه أهلية الأداء تبعا لانعدام تمييزهما، فلا يستطيع أي منهما إجراء أي نوع من التصرفات بنفسه، وكل ما يجريه منها يعد باطلا ولا يعتد به من الوجهة القانونية وإذا كان المجنون أو المعتوه صغيرا لم يبلغ سن الرشد وبلغها مجنونا أو معتوها، استمرت الولاية، أو الوصاية عليه، أما إذا أصابه العارض بعد بلوغه سن الرشد جاز طلب الحجر عليه وتقيم المحكمة قيما عليه لإدارة أمواله. والمجنون والمعتوه يعدان في حكم الصبي غير المميز وتنعدم لديهم أهلية الأداء تبعا لانعدام تمييزهما وتكون تصرفاتهم باطلة.

3- السفيه والمغفل: السفيه هو الشخص الذي يبذر أمواله ويضيعها في غير مواضعها، بإنفاقه ما يعد من مثله تبذيرا، سواء أكان هذا التبذير في وجوه الخير أم وجوه الشر. أما المغفل فهو الشخص الذي تغلب عليه الغفلة في أخذه وعطائه، ولا يعرف أن يحتاط في معاملاته لبلاهته ولا يعد السفيه والمغفل فاقدي التمييز والوعي كالصغير غير المميز أو المجنون أو المعتوه، وإنما هما يدركان الأمور والمعاملات القانونية ويميزان بينها، ولكنهما لا يحسنان التصرف في أمورهما.

وحكم تصرفات السفيه والمغفل هو حكم تصرفات الصغير المميز. ويشترط لاعتبارهما ناقصي الأهلية صدور قرار بالحجر عليهما من قبل القاضي الشرعي، أما قبل صدور قرار الحجر وشهره فتكون جميع تصرفاتهما صحيحة، وغير قابلة للإبطال إلا إذا كانت هذه التصرفات قد تمت نتيجة استغلال أو تواطؤ.

وتطبيق حكم تصرفات الصغير المميز على تصرفات السفيه والمغفل يقتضي بطلان تصرفاتهما الضارة ضررا محضا، وصحة تصرفاتهما النافعة نفعا محضا، وقابلية تصرفاتهما الدائرة بين النفع والضرر للإبطال. إلا أن للسفيه والمغفل خلافا للصغير المميز الحق في إجراء الوصية والوقف متى أذنت لهما المحكمة بذلك، وتعد أعمال الإدارة الصادرة عن المحجور عليه لسفه، المأذون له بتسلم أمواله، صحيحة بالحدود التي رسمها القانون.

4- المحكوم عليه بعقوبة جنائية: كل محكوم عليه بالأشغال الشاقة، أو الاعتقال يكون في حالة حجر خلال تنفيذه عقوبته وكل عمل إدارة وتصرف يقوم به المحكوم عليه ما عدا الأعمال المتعلقة بممارسة حقوقه الملازمة لشخصه يعد باطلا. فالمحكوم عليه بعقوبة جنائية لا يستطيع خلال تنفيذ عقوبته إجراء أي نوع من أنواع التصرفات والأعمال القانونية، وإذا أجرى شيئا منها تعد تصرفاته باطلة، ويستثنى من ذلك التصرفات المتعلقة بالحقوق الملازمة لشخصه كالطلاق مثلا، والإقرار بالبنوة، إذ تعد صحيحة متى صدرت عنه، وتكون أهليته كاملة بالنسبة إليها.

ويعود السبب في انعدام أهلية المحكوم عليه بعقوبة جنائية كونه إجراء تأديبيا يتفرع عن عقوبته الأصلية، ولا يعود إلى سوء إدارته لأموره أو عدم إدراكه.

5- المصاب بعاهة مزدوجة كالأصم والأبكم والأعمى: إذا كان الشخص أصم أبكم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعينه في إجراء التصرفات التي تقتضي مصلحته المساعدة، ويكون قابلا للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائيا بغير معاونة المساعد، إذا صدر التصرف بعد شهر قرار المساعدة .

وهذه الحالة ليست من حالات عوارض الأهلية، ولهذا يعد الإنسان في هذه الحالة ذا أهلية أداء كاملة، بحيث يستطيع أن يجري بمحض إرادته ومشيئته كافة التصرفات والأعمال القانونية أيا كان نوعها بما ذلك التصرفات الضارة ضررا محضا على أن يساعدّه في التعبير عن إرادته مساعد قضائي.

ثالثا- النيابة الشرعية:

لا يستطيع الإنسان في حالة انعدام أهليته أن يتولى بنفسه إدارة شؤونه وأمواله، أو إجراء أي نوع من التصرفات والأعمال القانونية المتعلقة بها، وهو يستطيع ذلك في حالة نقص أهليته، ولكن ضمن حدود وقيود.

والإنسان في جميع هذه الحالات بحاجة لأن يتولى شخص آخر كامل الأهلية رعاية مصالحه وشؤونه والإشراف عليها، وأن ينوب عنه في إجراء التصرفات والأعمال القانونية، أو أن يجيز ما يجريه منها إذا كانت من التصرفات التي تصح إجازتها ويسمى الشخص الذي يعهد إليه بالإشراف على شؤون غيره في هذه الحالات بالنائب الشرعي.
وتكون الولاية على الصغير القاصر، وهو الذي لم يبلغ سن الرشد سواء أكان مميزا أم غير مميز. وتقسم الولاية إلى قسمين، ولاية على النفس وولاية على المال.

وتهدف الولاية على النفس، الإشراف على شؤون القاصر الشخصية وتعليمه وتطبيبه وتأديبه ونحو ذلك. أما الولاية على المال، فهي السلطة التي يقررها القانون لشخص معين في إبرام التصرفات لحساب شخص آخر غير كامل الأهلية، وإذا لم يبلغ الشخص سن الرشد سمي قاصرا، وتثبت سلطة إدارة أمواله وممتلكاته و استثمارها والتصرف فيها لوليه.

وتثبت الولاية على مال الصغير أساسا للأب ثم للجد الصحيح وهي تثبت من دون حاجة إلى حكم من القاضي، ويجوز للأب والجد مباشرة التصرفات النافعة نفعا محضا من دون حاجة إلى إذن القاضي أما التصرفات الضارة ضررا محضا فلا يجوز لهما مباشرتها قط ، أما بالنسبة إلى التصرفات الدائرة بين النفع والضرر فيحدد القانون سلطة كل منهما بالنسبة إليها، وإن كانت سلطة الأب أوسع من سلطة الجد .

وتعود الولاية على النفس والمال إلى الأب، وفي حال عدم وجوده إلى الجد العصبي,  وفي حال عدم وجود الأب أو الجد العصبي تنفصل الولاية على النفس عن الولاية على المال، وتتنقل الولاية على المال إلى الوصي المختار. أما الولاية على النفس فتعود حينئذ إلى الأقارب العصبات بأنفسهم بحسب ترتيبهم بالنسبة إلى الإرث من الصغير، فمن كان اقرب من غيره بالإرث كان مقدما عليه في الولاية على النفس.

وإذا لم يكن للقاصر أب ولا جد صحيح، فإن المحكمة تعين له وصيا، يقوم على رعاية أمواله، ويجوز عند الضرورة تعيين أكثر من وصي واحد . وقد يكون هناك وصي مختار إذ إنه يجوز للأب أن يختار قبل وفاته وصيا لولده القاصر أو للحمل المستكن ويسمى هذا بالوصي المختار.

وتتفق سلطة الوصي مع سلطة الولي فيما يتعلق بالتصرفات النافعة نفعا محضا فيجوز للوصي مباشرة هذه التصرفات لحساب القاصر من دون حاجة إلى إذن القاضي، ولا يجوز له أن يباشر التصرفات الضارة، أما بالنسبة
إلى التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، لا يباشر الوصي أغلبها إلا بإذن من المحكمة .

وإذا لم يكن هنالك وصي فإن المحكمة الشرعية هي التي تعين الوصي، وليس ضروريا أن يكون الوصي على مال القاصر هو الولي نفسه، وإن يكن من الممكن في أغلب الأحيان أن يعين الولي على النفس وصيا في ذات الوقت. وتنتهي الوصاية ببلوغ القاصر سن الرشد مالم يتقرر استمرار الوصاية عليه ، كما تنتهي مهمة الوصي قبل بلوغ القاصر سن الرشد بموت القاصر أو بفقد الوصي لأهليته، أو ثبوت غيبته أو موته، أو بعودة الولاية للولي إذا كان للقاصر أب أو جد سلبت ولايته . ويجوز تعيين ناظر مع الوصي المختار لمراقبته في شؤون القاصر. وتعين المحكمة قيما لتولي شؤون من يحجر عليه لجنون، أوعته، أو سفه ، أو غفلة.

وتختلف صلاحيات النائب الشرعي بحسب أنواع التصرفات والأعمال القانونية التي يرغب النائب الشرعي في إجرائها، وبحسب ما إذا كان هذا النائب الشرعي وليا أو وصيا أو قيما أو وكيلا قضائيا. فبالنسبة إلى التصرفات النافعة نفعا محضا يستطيع النائب الشرعي أيا كان إجراءها بينما لا يستطيع أحد من النواب الشرعيين إجراء التصرفات الضارة ضررا محضا بأي حال من الأحوال.

وأما بالنسبة إلى التصرفات الدائرة بين النفع والضرر فيستطيع النواب الشرعيون جميعا إجراءها إلا أن بعض هذه التصرفات يحتاج النائب الشرعي في إجرائه إلى إذن من القاضي. والتصرفات التي لا يستطيع النائب الشرعي إجراءها بمفرده بل لابد من أجلها من إذن المحكمة هي أكثر بالنسبة إلى الوصي والقيم والوكيل القضائي منها بالنسبة إلى الولي على المال الذي هو الأب أو الجد العصبي, فهما يستطيعان مثلا أن يجريا ومن دون الحاجة إلى إذن القاضي أعمال التصرف بالنسبة إلى أموال القاصر، بينما لا يستطيع الوصي أو القيم أو الوكيل القضائي ذلك إلا بإذن من القاضي.

وتعود آثار التصرفات التي يجريها النائب الشرعي ونتائجها على عديم الأهلية أو ناقصها الذي تجري هذه التصرفات لمصلحته وحسابه، ويتحمل ما يترتب عليها من التزامات، بينما تنحصر مهمة النائب الشرعي في إجراء هذه
التصرفات لحساب من ينوب عنه فقط من دون أن يكون له نصيب في نتائجها وآثارها.

تعليقات