الفساد المالي والإداري

مقدمـــــة
لم يعد الفساد أهم المشكلات التي تواجه النظام العالمي الجديد فحسب ، بل يكاد يكون المشكلة الرئيسية علي الإطلاق ، إذ يحول الموارد من مجالات التنمية ، ويقوض ثقة المجتمع في السلطة الحاكمة ، وهو ظاهرة قديمة قدم المجتمع البشري استمر علي مر التاريخ وتحول في الوقت الحاضر إلي مشكلة حادة تعانيها جميع الدول وبدرجة أكبر الدول النامية ، وتمس القطاع العم والقطاع الخاص ، وتعتبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي من بين المشاكل التي اجتمعت تقارير الخبراء الدوليين علي ضرورة معالجتها في الدول النامية إذا ما أريد تنفيذ برامج التنمية .


الجزء الأول: الفساد بشكل عام
تعريف الفساد
يقصد بالفساد في المجال الاقتصادي للدولة استعمال السلطة لتحقيق منافع خاصة ، سواء كانت سلطة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية ، وهو بذلك يعبر عن انحراف في الواجبات الرسمية لمنصب عام بالتعيين أو الانتخاب لأجل الحصول علي مكاسب تتعلق بالثروة أو المكانة ، وكان ما يزال جزءًا من الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية منذ وقت طويل ، ولعل السبب الجوهري في ذلك هو تعدد صور الفساد ووسائله وأهدافه من خلال الزمان والمكان ، وأشد أنواعه موجود في الدول النامية ، وأهم صور الفساد ما يتعلق بالرشوة ، والابتزاز والمحسوبية واستغلال مال الغير للتعجيل بقضاء أمر معين واستغلال النفوذ ، كما يتميز بأنه ظاهرة عامة وقديمة وملازمة لمرحلة التحول ، وهناك إجماع علي أن شيوع الفساد يعتبر من أهم أسباب الضعف الداخلي والخارجي ، وفي جوهره يعبر عن حالة تفكك تعتري المجتمع نتيجة فقدانه سيادة القيم الجوهرية ، وعدم احترام القانون ، وغياب الشفافية والمسائلة ، ولنا في التاريخ أمثلة عديدة عن سقوط دول وامبراطوريات ، والجديد في الفساد هو أن هذه الظاهرة آخذة في التفاقم لدرجة تهديد مجتمعات بالجمود والإنهيار ، وتأثر بالعولمة بحيث لم يعد شأناً داخلياً ، وقد اتفق المختصون علي أن الفساد مصطلح فني يعبر عن جرائم الإتجار بالوظيفة العامة أو الإعتداء علي المال العام ، في شكل ظاهرة يعانيها المجتمع ، وهو يؤدي تدهور الكفاءة وتراجع التنافسية ، وبالتالي تراجع حجم الاستثمار وما يتبعه من بطالة وتدني في الأجور ، مما يدفع مرة أخري إلي مزيد من الفساد ضمن إطار حلقة الفساد المفرغة ، وفيما يلي شكل يوضح حلقة الفساد المفرغة

وبذلك يتصف الفساد بأنه يتم ضمن أطر شبكية معقدة ، وليس مجر ممارسات فردية ويعيد إنتاج نفسه ضمن حلقة الفساد المفرغة ، وفيما يلي بعض تعاريف الفساد المحددة :
تعريف الأمم المتحدة : الفساد يتضمن سوء الستعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص ، ويشمل القطاع العام والقطاع الخاص ، وينتشر عالمياً سواء في الدول النامية أو الدول المتقدمة ، ويتدرج من الرشوة إلي عمليات استغلال النفوذ والتبييض ، ونشاطات الجريمة المنظمة .
تعريف البنك الدولي : هو إساءة استعمال الوظيفة العامة لتخصيص نفع خاص ، وهذا التعريفلا يعتبر ضيقاً يندرج تحت اسم "الفساد الصغير"
تعريف منظمة الشفافية الدولية : هو سوء استخدام السلطة لأجل تحقيق مكاسب خاصة .
تعريف موسوعة العلوم الاجتماعية : هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح، وعرفته كذلك بأنه خروج عن القانون والنظام العام وعدم الإلتزام بهما من أجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للفرد أو لجماعة معينة .
تعريف جونستون (Johnston) : يعرفه بإساءة استخدام الأدوار (الوظائف) العامة أو الموارد العامة بغرض المنفعة الخاصة .
ويمكن صياغة الفسادة في المعادلة التالية :

( الفساد = احتكار القوة + الإفتقار إلي الشفافية – المسائلة )
وبالنظر إلي الكتابات المختلفة حول تعريف الفساد ، نجد أن المنطلق الرئيسي لتعريفه هو الصور الشائعة له وهي :

الرشوة ، المحسوبية ، استغلال المنصب العام ، شراء أصوات الناخبين ، كما نستنتج من التعاريف المذكورة أنها تتفق حول الغاية منه وهي الحصول علي كسب خاص أو منفعة شخصية ، وأما الوسيلة فكانت محل خلاف ، وبذلك تبرز ثلاثة اتجاهات عامة فيها تعريف الفساد وهي :
الإتجاه القانوني , الإتجار بالوظيفة العامة .
إتجاه المصلحة العامة : ينظر إلي الفساد باعتباره سلوكاً ضاراً بالمصلحة العامة .
إتجاه الرأي العام : يمثل هذا الإتجاه بديلاً مما سبق ، بتركيزه علي أهمية الرأي العام في توجيه المجهود الحكومي في محاربة الفساد ، ويتخدذ هذا الإتجاه ثلاثة أشكال هي ( الفساد الأسود ، الفساد الرمادي ، الفساد الأبيض ) .
أنواع الفساد
يمكن تصنيف الفساد إلي ثلاثة أقسام : عرضي (فردي) ، مؤسسي ، منتظم (ممتد) كظاهرة تمس المجتمع بكافة طبقاته كما يراه جونستون ، ويمكن تصنيفه طبقاً لمعايير أخري كما يلي :
معيار الفئة الطبقية : ويتضمن فساد القمة ، والفساد المؤسسي ، والفساد الإداري والبيروقراطي .
معيار حجم الفساد : حيث يقسم الفساد حسب هذا المعيار إلي الفساد الكبير والفساد الصغير .
معيار تنظيم الفساد : حسب هذا المعيار نميز نوعين من الفساد وهما الفساد المنظم والفساد غير المنظم .
معيار نطاق الفساد : أي النطاق الجغرافي لممارسته ، ويقسم إلي الفساد المحلي و الفساد الدولى .
معيار طبيعة العلاقة بين طرفى الفساد : ويقسم الى الفساد القسرى والفساد التآمرى
معيار أطراف العلاقة : فردى وثنائى و أكثر .
ترتبط الشفافية عكسياً بالفساد الإدارى ، وهى العلاقة نفسها التى تربط المسائلة بالفساد السياسى . وأما الرشوة فتعتبر نموذجا للفساد الاقتصادى وأهم مظاهره ، ولها عدة صور تختلف حسب الزمان والمكان ( هدية ، قهوة ، ... ) ، وتعتمد الرشوة _ عادة _ على شخصين هما الراشى والمرتشى .
وحسب دراسة لصندوق النقد الدولى ، فإن للفساد أشكالا متعددة ، ويمثل فساد القطاع العام أحد مظاهر عجز التنظيم والإدارة على المستوى الوطنى . وتعرف الدراسة " التنظيم والادارة " بانهما التقاليد والمؤسسات التى تمارس عن طريقهما فى بلد معين ، وتم تصنيف الفساد وفق هذه الدراسة الى عدة أشكال هى : (الفساد الكبير ، الفساد أو البيروقراطى الصغير ، المتاجرة بالنفوذ أو الاستيلاء على الدولة) .
خصائص الفساد
يتم من خلال " أطر شبكية " معقدة وسرية ومتعددة الأطراف ، وليس مجرد ممارسات فردية .
له عواقب ضارة علي تحقيق التنمية وفعالية  الإصلاحات الاقتصادية .
يرتبط طردياً بوجود أزمات وكوارث .
تؤثر العولمة علي انتشاره بدرجات متفاوتة في مختلف أنحاء العالم .
ينمو ويستشري ضمن الاقتصاد السري .
بعض الدول الأوروبية تدعم عملية الفساد في الخفاء وبأساليب غير مباشرة .
أسباب نمو الفساد
ينشأ الفساد جزئياً بسبب طبيعة الإنسان في الطمع واختصار الخطوات في إطار غير قانوني ، مما يصعب العدالة في التوزيع ، وبالتالي لا يؤدي إلي سوق تنافسية .
أسباب نمو الفساد : وسوف نتعرض لها من حيث الأهداف والمحددات
من حيث الأهداف : يعتبر الفساد من الجرائم الاقتصادية ، وسببه تحقيق منفعة أو تجنب نفقة .
من حيث المحددات :
القيود الحكومية علي النشاط الاقتصادي ، وتتضمن درجة ملائمة الصيغ القانونية والقضائية وتنفيذها .
تقديم جهات من الدول المتقدمة رشاوي للدول النامية (حسب منظمة الشفافية الدولية) .
انخفاض معدل أجور القطاع العام بالنسبة للقطاع الخاص وانتشار الفقر .
ضعف معدلات التنمية وظهور فجوة الدخل .
سرية بعض الصفقات الكبري .
ضعف جهود مكافحة الفساد ، وضعف العقوبات المفروضة عليه .
أسباب اجتماعية وثقافية مثل غياب الوعي الأخلاقي والديني والغزو الثقافي الأجنبي .
أسباب سياسية مثل عدم التشديد علي أفراد السلطة وافتقارهم إلي القيادة المنضبطة .
أسباب دولية مثل المساعدات الأجنبية والاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية .
ويمكننا أن نخلص إلي أن الفساد ينشأ ويترعرع  في المجتمعات التي تتميز بما يلي :
ضعف المنافسة السياسية .
انخفاض النمو الاقتصادي وعدم انتظامه .
ضعف المجتمع المدني وسيادة السياسات القمعية .
غياب الآليات والمؤسسات التي تتعامل بالفساد .
الآثار الاقتصادية الكلية للفساد : تنجم عن الفساد آثار اقتصادية كثيرة علي المستوي الكلي منها ما يلي :
انخفاض معدل النمو الاقتصادي نتيجة لخفض معدل الاستثمار الخاص ومن ثم خفض حجم الطلب الكلي .
ضياع النفقات العامة بعيداً عن التشغيل والصيانة والصحة والتعليم ... إلخ ، وبالتالي تدمير الخدمات العامة
ضياع الكثير من الإيرادات العامة التي كانت من الممكن أن تساهم في بناء الدولة .
زيادة عجز الموازنة العامة للدولة .
ارتفاع مستوي الأسعار (التضخم) .
انتشار الفقر ، وتراجع التنمية المستدامة والشاملة .
فقدان الثقة وانهيار البورصات .
عدم العدالة في توزيع الدخل .
زيادة مضاعف الفساد (تغذية الفساد لنفسه) .
أشكال الفساد :
يتخذ الفساد أشكالاً متعددة تسبب ضرر للمجتمع وللاقتصاد بشكل أو بآخر ، وفي دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لخصت فيه أهم أشكال الفساد في المخطط التالي :
تم ادراج الاشكال في نهاية المقال

أي من أشكال الفساد يؤثر في الآخر
تذهب بعض التحليلات إلى أن الفساد السياسي هو الذي يقود أنواع الفساد الأخرى، فعندما يفسد السياسيون يفتحون الباب لأعوانهم من الإداريين ليمارسوا الفساد الإداري (بمعناه الواسع(، خاصة الدائرة المحيطة بالمسئول الفاسد، وتصبح المصلحة مشتركة لجميعهم لإخفاء الفساد. وإذا اجتمع السياسيون مع الإداريين في عصابة واحدة فتصبح أموال الدولة وثرواتها ومقدراتها مفتوحة أمامهم لينهبوا منها، خاصة في ظل النظم غير الديمقراطية التي تغيب فيها الشفافية وتكون الرقابة المؤسسية المتمثلة في البرلمان مغيبة، والرقابة الشعبية مكبوتة أو مضللة .
ولعل هذا التحليل يبين أهمية الإرادة السياسية في مكافحة الفساد ، وأن نزاهة القيادات السياسية يعتبر في غاية الأهمية في مكافحة الفساد، وبقول أخر فإننا نرى أن انتشار الفساد في أي دولة يبدأ من القمة إلى القاع وليس العكس .
منقول

تعليقات